دائماً ما تكون الأفكار واضحة جداً بعقلي قبل البدء بالكتابة! إلا هذا الموضوع، أشعر بغصة في القلب قبل أن أكتب، ودائماً ما تنتهي بكتابة جمل غير مفهمومة.. بين الحمدلله على النعمة، و بين حزن لا يَد لي فيه ..تضيع كلماتي دائماً!
أول سنة كانت الأصعب، فقد تركت كل شيء وراء ظهري ، تركت عائلتي، وصديقات العمر، وذكرياتي كلها، هناك لغتي الأُم، الأماكن التي أعرفها وكل شيء يربطني هناك. وجئتُ هنا صفر! كأني ولدت من جديد لكنّ عمري ٢٣ سنة. جنّ جنوني وتمردت على أتفه الأمور وتغيرت شخصيتي لطفلة مرهفة الإحساس تذرف دموعها لأتفه الأسباب.. ثم يبدأ الشعور تدريجيا بالتبلد والقرب من اللاشعور، كل سنة تمر تحمل طياتها الكثير من الحزن والشوق والألم.. ثم مع مرور الوقت.. تتبلد المشاعر وتبرد.
كان يأتيني السؤال دائما؟ "شو تأقلمتي؟" وأبتسم وأردّ بجواب مناسب لحالتي ومزاجي في تلك اللحظة، فالتقلبات النفسية بين الألم وبين القوة التي تريد أن تتغلب على الألم والصراعات التي تحدث بداخلي لم تكن لتُصاغ بنَعمٍ أو لا على ذلك السؤال.
وبعد أن رزقني الله بآسية، الطفلة التي وجودها آنس غربتي وخفف آلامي، وفي نفس الوقت تعذبني تلك اللحظات التي تمر وتكبر فيها صغيرتي دون أن يشهدها أحد منهم، أول خطوة وأول ضحكة وأول كل شيء، لن يعيشوه معي. كما لن أعيش أنا لحظاتهم.
في السنة الثانية والثالثة بدأ الجرح يلتأم تدريجيّاً ولكن علاماته مازالت واضحة جداً.. ظننت في بادىء الأمر أن الخطأ يكمن في المكان، وإن رحلت منه إلى آخر سترحل همومي مني بالتأكيد، لم أكن أعي أن الغربة لن ترحل مني أينما ذهبت. تأكدت من ذلك حين رأيت المغتربين من شتى بقاع الأرض الى شتى بقاع الأرض الأُخرى يتهمون المكان غالباً أينما كانوا ، ويظنون أنه المسؤول الوحيد والمانع الوحيد لسعادتهم.
في السنة الرابعة.. نعم تأقلمت..وتعلمت أن السعادة تأتي من داخلي، لا سبب لها ولا مكان ولا وقت! واعتذرت للأماكن التي ألقيت اللوم عليها باطلاً. تعلمت أنني أقوى هنا حيث لا أنتمي لشيء، وأنني سأعمل وأعمل وأُنتج لأن الحياة تمضي والحزن عدوّ النجاح، لا وقت للأعذار، فصغيرتي تتأثر بمشاعري الآن، وسأجعلها فرحاً وسعادة من أجلها!
بين الحين والآخر.. ما زالت تزورني لحظات الضعف والوحدة مثل هذه الآن، لا أعلم إن كانت تلك الزيارات ستموت مع الوقت مثل ما مات الكثير.. وربما لا أتمنى ذلك!
إلى كلّ الأمهات المغتربات. أنتنّ جبّارات.
ملاحظة: أشكر كتاب how to stop worrying and start living للكاتب Dale Harbison Carnegie الذي تغيرت حياتي بعده.
مين في مغتربات بالصفحة؟ تجربتكم بتشبه تجربتي؟ #تاغ_المغتربات
قرأت في آخر كتاب عن التربية أن كل أُم قبل أن تقرأ عن التربية يجب أن تضع أهدافها بطريقة واضحة.. جميع الأُمهات يريدون أن يحققوا نفس الهدف تقريباً! جميعهم يريدون تربية "طفلاً مميزاً". ولكن قبل كل هذا يجب أن نفكر جيداً، ونسأل أنفسنا: ما هو تعريف التميّز بالنسبة لنا؟ ماذا نقصد بالطفل المميز؟ لِكلٍّ معاييره ومقاييسه الخاصة بوضع هذا التعريف، الذي على أساسه نستطيع فيما بعد وضع خطتنا في التربية.
سرحت بخيالي بعدها كثيراً، ماذا يعني لي أنا التميّز؟ هل هو التحصيل العلمي والدرجات المرتفعة في المدرسة؟ لا الحمدلله ليس كذلك! هل هو أن تطيعني آسية وتستجيب لكل ما أأمرها به؟ بعد انتهاءي من قراءة الكتاب قررت أن تعريفي للتميز هو أن تصبح آسية: إنسانة مؤمنة سعيدة، تنظر للأمور بنظرة إيجابية، لديها طموح عالي بمجال هي تستطيع اختياره وتطويره، ناجحة اجتماعياً ولديها شخصية قيادية مؤثرة وليست تابعة لمن حولها. ربما أُغير ذلك التعريف بعد سنوات لكنه يعجبني الآن!
شعرت بالراحة حينها..
إلى أن اجتمعت ذات يوم بصديقاتي الأمهات لمناقشة الكتاب. فقالت إحداهن :"تستطيعون أن تختبروا مدى صدق تعريفكم للطفل المميز، عن طريق سؤالكم لأنفسكم: في حياتكم اليومية؛ ما هو الشيء أو التصرف الذي عندما يفعله طفلكم تشعرون بعده بقمة السعادة؟ وما هو التصرف أو الصفة التي توصلكم لقمة التعاسة او الانزعاج؟"
اكتشفت من خلال سؤالها أنني لا يجب أن أكتفي بكتابة أهدافي في التربية أبداً! وأنني لست متأكدة أنني سأنجح بالاختبار إذا سألت نفسي تلك الأسئلة!
إذا كانت قمة خيبة الأمل تحدث عندي حين تتصرف آسية بشكل محرج أمام الناس أو إذا كُنتُ سأصل إلى قمة سعادتي حين تحصل آسية على درجات مرتفعة في المدرسة مع أنها طفلة حزينة، فمعاييري التي وضعتها بنفسي خاطئة. واستنتجت أن أهدافي لآسية يجب أن تنطبق تماماً مع طريقة تربيتي لها وهذا ليس بالأمر السهل، لا أعلم بعد إن كنت سأُجيد ذلك!
إننا نستطيع تطبيق هذين السؤالين على حياتنا بشكل عام وليس فقط في التربية؛ قُل لي متى تشعر بقمة الغضب، ومتى تشعر بقمة السعادة، أقُل لك من أنت!
اسم الكتاب: من الصفر إلى الفخر كيف تربين طفلا مميزاً للكاتبة وفاء غيبة الصورة من تصوير المبدعة Lyn Elkadamani Photography
أراد تشاوشيسكو حاكم رومانيا في عام ١٩٦٦ أن يرفع عدد السكان فقام بإصدار عدة قوانين عشوائية
ظالمة؛ حيث قام بمنع تحديد النسل والإجهاض وفرض ضرائب باهظة على من وصلت لسن ال ٢٥ ولم تنجب بعد، بغض النظر إن كانت متزوجة، عزباء أو حتى إن لم تكن قادرة على الإنجاب! حين ارتفع عدد المواليد، زادت رومانيا فقراً بالتأكيد! وامتلأت الشوارع باللقطاء والمشردين. فقام تشاوشيسكو ببناء معسكرات دور للأيتام امتلأت بآلاف الأطفال!
يصف الكاتب المشاهد الصادمة فيها؛ أطفال مرميين في المياتم جاعوا وخافوا وتشردوا لدرجة أنك تمشي بين المئات من غرف الأطفال الرضّع ولا تسمع أي صوت!!! وصل الحال بهؤلاء الأطفال المساكين إلى أن يسرحوا بالفراغ! وطبعاً معدل الوفيات بينهم كان محزن جداً. رغم بشاعة ما حدث، كوّن هؤلاء الأطفال بالنسبة للغربيين فرصة حقيقية للدراسة والتحقيق فيما بعد.
تم تبني عدد كبير من هؤلاء الأطفال من قبل عائلات كندية وأجريت دراسة على سلوكهم، فانقسمت النتائج إلى مجموعتين بعد أن كبُر الأطفال الذين تم تبنيهم. مجموعة طبيعة جدا لا شيء فيها لافت للنظر أو غريب. علاماتهم المدرسية، وحالتهم الصحية والاجتماعية وكل شيء فيهم كان مستقراً. المجموعة الأُخرى كانت حالتها متدهورة بشكل ملحوظ! مع أنهم عاشوا في بيئات متشابهة للأطفال من المجموعة الأُولى، لكن كانت لديهم صعوبات تعلم ومشاكل صحية واجتماعية خطيرة.
ما الفرق؟ المجموعة الأُولى الطبيعية هم أطفال تم تبنيهم قبل الشهر الرابع من عمرهم. والمجموعة الأُخرى كانوا أكبر من ثمانية أشهر!
"They may have been removed from the orphanages long ago, but they were never really free."
٨ أشهر !! فقط!! تغيرت حياتهم إلى الأبد!!
تعوّدنا للأسف في مجتمعاتنا على أن نعامل الأطفال بتجاهل كبير لقدراتهم! وتحدث أمامهم جميع المشاكل والتوتر العائلي وأخلاقنا السيئة بحجة "لسه ما بيفهمو". بعد هذه المعلومة أرجوكم لا تقولوا أبداً أن الأطفال الرُضّع لا يفهمون! ربما لا يتكلمون بعد، لكن عقلهم في عملية تسجيل لكل ما يحدث حولهم . طبعاً قد يبدو هذا الكلام نظرياً سهل لكن بعد تجربتي البسيطة، في الواقع العملي هو أصعب مهمّة على الإطلاق! والحل الوحيد لنُحسن تربية أطفالنا منذ ولادتهم هو تربية أنفسنا أولاً. فطفلك سيعكس كالمرآة جميع ما حصل في سنينه الأولى التي بعدها تكون قد تكونت ٩٠٪ من شخصيته! طفلك سيخبرك من خلال تصرفاته عن أخلاقك أنتِ ووالده حين يكبر.
كثيراً ما سمعنا نصائح مثل "follow your passion" أو "follow your heart" أي اتبع شغفك.. قد تكون نيّة الناصح طيبة لكنها تؤدي إلى نتائج سيئة حسب الدراسات. الأستاذ الجامعي كال نيوبورت في كتابه يرى أن نصيحة أتبع شغفك من أسوء النصائح التي توجّه لمن هم في حيرة تحديد التخصص أو إتخاذ قرار بتغيير المسار المهني. أن تصبح شغوفًا بما تعمل هدف عظيم، لكن أن تبدأ بالشغف أولاً هو ما يجب ألا تفعله، لأن هذا المبدأ لديه مشاكل منها أنه يُبنى على فرضية أن كل الناس تعرف تماما ما هو شغفها. وهذه فرضية خاطئة قد تؤدي بنا الى الحيرة والضياع. ومنها افتراض أن حب شيئاً ما يعني انه المناسب لاتخاذه كمهنة وهذا يعني أن كل من لديه شغف بسباق السيارات سيكون سائق ممتاز، أو أن كل من يحب كرة القدم سيصبح لاعب ماهر!
كوّن مهارة أو قدرة لديك بشيء ما لديك إهتمام به، طور نفسك ومهاراتك بهذا الشيء لتصل حد الإحتراف، إقرأ عنها، تخصص أكثر، وسيأتي الشغف عندما تتميز وليس بالعكس.
لا تتبع شغفك .. بدلاً من ذلك أجعل شغفك يتبعك أثناء سعيك بأن تصبح جيدًا جدًا.
أنا لست إختصاصية ولا أملك شهادة في التربية، إختصاصي في مجال التصوير وصناعة الأفلام "التخصص الذي درسته وأنا أتبع شغفي". لكن منذ صغري وقبل أن أصبح أُم بسنين طويلة كان لدي إهتمام كبير في التربية وحضرت محاضرات متنوعة في هذا المجال. كانت تلهمني فكرة تأثير التربية علينا وكنت أتميز بقدرتي على تحليل صفات وتصرفات صديقاتي ونفسي بناءاً على طريقة تربيتنا والبيئة التي عشنا فيها. لكن الأمر كان بالنسبة لي يقف عند ذلك فقط. إلى أن أصبحت أُم لآسية. وأصبحت أقضي معظم وقتي بين كتب التربية وعلم الأُسرة وكتابة تجربتي مع آسية على صفحتي الشخصية. وبدأت آلاف الناس تتابع كتاباتي وتصلني رسائل من حول العالم! بعضها يسألني عن تجربتي ويعبر عن تأثره بكتاباتي، والآخر يستشيرني بمشكلة تواجهه..والكثير منهم يستفسر عن الكتب التي يجب أن يقرأوها.. كيف حصل ذلك؟ صدفة؟ ربما لكنه بالتأكيد حدث بعد قراءة وعمل وجهد.. و "شغف"!
الآن اكتشفت ماذا أُريد أن أفعل بقية حياتي!
مشروع "ماما لينة" هو المشروع الأول وبداية الرحلة إن شاء الله.